Friday, January 10, 2014

ثلاث ظلمات ورسالة...

نشرت من طرف : Nael Khader  |  في  6:45 PM



كانت الليالي الثلاث كخيط قبعتي، في يدي اليسرى. كنت أعمل جاهدا، أظل واقفا بلا جدوى. حتى انشق قلبي للحب تارة، وجدّ في حياة الشقاء أخرى. كنت كالصاعد جبال أطلس، وإنما شق الطريق صعب!
وكانت الذكريات كالمطر الهتون، تقتل من أصابت، أصعد أنا وهي تسقط، تتهاوى حبات المطر على رأسي، وكلما نظرت للسماء تضربني فأصمت.
أما الليلة فحدقت مليا بسقف غرفتي، كعادتي، حتى الليل ملّ من دون الكهرباء!
الليلة كنت في سقفي، أمسك في يدي زجاجة خلٍ بها رسالة. أطل من شاطئ أرضي، مستشرقا شواطئها. كان الغسق محكما سواده، لا شيء سوى الظلمة! لا أنكر حبي للظلام، ولكن كان الظلام في القلب أشد. كنت مدجج بالغضب. رسالتي الصغيرة ملفوفة بماء جسدي، في زجاجة قديمة سدادتها مهترئة. سرت والشاطئ وقرأت لون السماء، وأخذت عهد البحر، وأرسلت رسالتي. قد أبدو في سردي لشعوري مختلا بعض الشيء، أو أن الصور تملئ تفكيري. لكن أغرقتني حبات المطر، ولما يسلب الهوى طياته. بل أفاقه من ظلمة لا بقايا لضياء فيها. رسالتي إلى قلب عاشقة، رسمتها في سقف غرفتي، حضرت كل صخور فاس، بسماء أرضها وبحرها وطنين ريحها، جلبت الهوى إلي كي أتنفس، وأكتب:

بتركنا للخصائص الصغيرة، حتى المعاني، جانبا، فأن أنوثتك حبيبتي ليست سوى معنى العيش، تعني أن نرى ذات الشيء كل مرة. وحسيتك الروحانية الجياشة منغمسة في روحك لروحي في ذاتك، في ذاتك أرى الفخر وأرى الأنوثة الحقيقية.
إلى أرض فاس، شمري عن همائمك، ولتصنعي بنفسك صنيع الحرب. جئتك بجيش يقض مضجع مشرق العرب ومغربهم. جئت بحرب البسوس، أردت ودا فمنعتني بلادي، أما اليوم فلن يمنعني أحد!
أتعلمين ما الغضب؟ الغضب أن أصحو بروحي فلا أجد سوى سقفي الأحمق، وبين الشقوق لا تجري سوى ذكريات. ليل أبله وسخط سخيف الطلعة. الغضب أن أدخل بلادك فاتحا!
أما الحب! كلماتي ليست تكفي والهوى، وضرب الهوى كوقع المطر، يخفي جمالا ويفيق ذكرى، صورة لك أرسمها وليست حتى رسالتي تعرف الرسم.
أنت البداية...
كل شيء بدأ في تلك اللحظة الغامضة التي خرجت فيها من صف الكيان، وانتقلت إلى صف الروح. ركضت إليه لأتعلم درسه. أسمع حكاية البيت الأندلسي وأجتر رائحة المغرب، وأنصت! في تلك الحظة عرفت معنى أن تلتصق الروح في جسد وأن تسكن في آخر. شعرت بأن صار المصير واحد. مشيت ورسالتي على شواطئ المغرب سويا حتى ظن بنا الناس الظنون. غادرت طفولتي بسرعة، وتركت الصفوف كلها، وسرت ورسالتي إليك يا محبوبتي، نجوب البحر ونرسي مراسينا في أرضك، اليوم لقيا الجسد، اليوم تجيء الروح.
أمنية!
أريد أن أرفع رأسي أول مرة، عندما أستيقظ من غفوة الموت الأولى، من وسط الظلام، لا أريد أن أسمع سوى صوت تمزق الموج، أن لا أرى حين أفتح عيني، سوى الزرقة المتهادية وخط الأفق الأبيض الذي يقود نحو طريق غامض لا أعلم اتجاهه. لن ألتفت نحو الجبال ولا الأدغال، كي لا أعود مرة أخرى لعصر شجعان الزمن الأول، ولا المقاتلين الجدد، الذين أتوا من لحمي ودمي والذين امتهنوا تربتي.
عديني يا فاسية، عديني يا أندلسية...
كذبت كل شيء... لم يعد شخص أصدقه غيرك بلا تردد.
عديني أن لا يكون خط قبعتي قد تغير مع الزمن، عديني أن يصبح أرق وأنعم كأنه جسد.

التوقيع: روح جسدية!

التسميات :

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

نرحب بتعليقاتكم

back to top